قصة مازن والعنكبوت زوز

خرجت ليلى مع أخيها مازن في يوم من أيام العطلة بعد أن أتما واجباتهما ومذاكرة دروسهما، ومضيا يتجولان في البستان الصغير حتي وصلا الي شجرة من شجر التفاح، فقالت ليلى : انظر يا مازن هذا غصن يحمل خمس تفاحات، نظر مازن متعجباً من جمالها وحمرة لونها وكان بالقرب منها خيط دقيق يلمع تحت اشعة الشمس، فقال لها : هل تعرفين ما هذا الخيط يا ليلى ؟ حدقت ليلى به طويلاً ومدت يدها إليه فزال دون ان تشعر فقالت متعجبة : أين هو ؟ انه لا يكاد يمسك، لقد كنت أظن انني استطيع سحبه ولفه !
ضحك مازن وقال : هذا خيط آخر ولكن لا تمسيه سأنظر اين ينتهي، قال ليلي : ما الفائدة من تتبعه، دعنا نمضي ولا نضيع وقتنا، قال مازن : لا تتعجلي يا ليلي إن هذا الخيط هو احد خيوط العنكبوت، لو تتبعناه لدلنا علي مسكنها .. وتابع مازن وليلي الخيط ففوجئا بعدد آخر من الخيوط تقترب من بعضها في اشكال جميلة ومرتبة .

سمعت العنكبوت ” زوز ” كلامهما فقبعت في بيتها وجعلت تتنصت الي حديثهما، قال مازن : إن العنكبوت مخلوق أحمق ! سألته ليلى لماذا فأجابها : ألا ترين كيف يبني بيته في الاماكن المهجورة ؟ بعيداً عن القصور النظيفة والخزائن الفاجرة ويصنعة من الخيوط الواهية الضيعة ولو مددت يدي لأقتلعت البيت بأصبعي .
كانت زوز تسمع كلام مازن بانزعاج شديد وهي تختبئ خلف ورقة من اوراق الشجرة فأطلت برأسها وقالت : ايها الفتي كيف تقدم علي شتم جيرانك ؟ إنني هنا منذ مدة فهل آذيتكم ؟ أو أكلت من طعامكم ؟ لقد نسجت بيتي عند جذع هذه الشجرة فلم أكسر غصناً ولم اتلف ثمرة، فهل أستحق منك هذا الكلام ؟
نظرت ليلي الي مازن وكأنها فوجئت بجواب العنكبوت فقال مازن : ألست صادقاً في قولي ؟! قالت زوز : إنك تنتظر الي ظاهر الاشياء دون ان تعرف حقيقتها ووظائفها، فأنت تتهمني بالحمق لأنني اتخذت من الاماكن المجهورة مسكناً لي، وانا افعل ذلك لأن رزقي متوفر في هذه الاماكن، كيف تعجب من ذلك ؟ ألا تري ان العامل يعمل في المصنع بين الزيوت والشحوم ؟ والفلاح يعمل في حقلة مع الطين والتراب ؟ انه العمل ، وإن طلب الرزق بوسائل شريفة هو شرف وكرامة .
قال مازن في انفعال : إن العمال والفلاحين شرفاء، يقدمون النفع لمجتمعاتهم، وانت صغيرة ضعيفة لا فائدة منك، فماذا يمكن أن تقدمي ؟ لم تتأخر زوز في الرد علي مازن فقالت : انت مخطئ ايها الفتي فإن لي في بعض الحالات نفعاً، لا يقوم به سواي .. ألا تذكر يوم الهجرة واختفاء النبي في الغار ؟ قال مازن : أذكر انه خرج مستحفياً مع صاحبة ابي بكر وان الاعداء كانوا يجوبون الصحراء وهم يبحثون عنه حتي وصلوا الي غار ثور حيث كان النبي صليي الله عليه وسلم وصاحبه مختبئين فلم يروهما .
قالت زوز : ولكنني كنت بالباب، فنسجت بيتي بسرعة واحكمت خيوطي وظن الكفار أن هذا الغار لم يدخله احد، سأل مازن : ولكنك تتخذين بيتاً ضعيفاً واهناً ، فالناس يبنوا بيوتهم حتي يسكنوا فيها وينالوا حاجاتهم وترد عنهم الحر والبرد، قالت زوز : هذا بيتي الذي تراه يكفيني واحصل فيه علي قوتي ، وبينما كانا يتحادثان سمع صوت طنين اززززز .. اشارت زوز الي مازن وليلي ألا يتكلما، وقالت وهي تهمس : لقد اتاني رزقي الي بيتي، هذه ذبابة قد علقت بخيوطي، ومضت زوز الي الذبابة فلدغتها لدغة قاتلة، ثم مصتها ورمتها، ونظرت الي مازن لتقول : الآن هل تراني حمقاء ؟ قال مازن : لا ، قالت زوز : إن الحمقي يا عزيزي اولئك الذين يعتمدون علي غير الله ويعبدون سواه وانا اعتمد علي الله في رزقي وعيشي .

Comments

Popular Posts